مراجعة ما كل ما يتمناه المرء يدركه, تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
ليس كل ما يتمناه المرء يدركه هو بيت من قصيدة
المتنبي، وهو واحد من أشهر شعراء العصر العباسي
في القرن العاشر الميلادي، فهو يقول (ما كل ما يتمنى المرء يدركه , تجري الرياح
بما لا تشتهي السفن)، وهي تقصد ليس كل ما يتمنى المرء يدركه على أن ظروف الحياة
قد تأتي عكس ما يتمنى الإنسان، مثل السفن
وذلك يكون كناية عن قبطانها وركابها فهي تتمنى أن تكون الريح مواتية و سهلة ،
لكن دائما ما تكون الرياح عكس فتعوق
طريقها، وفي بعض الاحيان تكون عاتية قد تصل لتحطيم السفينة. نحن نسمع كـثيراً عن كلمة "تجري الرياح
بما لا تشتهي السفن" و هو من المعروف أنه مثل عربي قديم ، قد نجده يقال بشكل
واسع في بلدنا العربي ، و لكـن عادة ما نجدها تتردد بشكل كبير دون معرفة السبب أو
ما هي الأحداث التي أدت الى ظهور ذلك المثل الشهير ، و لكـن هناك عدد مختلف من
الناس التي تؤكد إنها 'السفن' بفتح حرف السين ، و ليس 'السفن' بضمها .
و يقال أنه يتم إطلاقـها على رب السفينة، أي ان
المثل يتم إطلاقه على ربان السفينة و ليست على السفينة الخشبية ، و لكـن ما هي قصة
هذا البيت الشعري
لمحة عن ابو الطيب المتنبي
ابو الطيّب المتنبي (303هـ - 354هـ) (915م - 965م) هو أحمد بن الحسين
بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي أبو الطيب الكندي الكوفي المولد، نسب إلى قبيلة كندة
نتيجة لولادته بحي تلك القبيلة في الكوفة لا لأنه منهم. عاش أفضل أيام حياته
وأكثرها عطاء في بلاط سيف الدولة الحمداني في حلب وكان من أعظم شعراء العرب،
وأكثرهم تمكناً من اللغة العربية وأعلمهم بقواعدها ومفرداته
منظومة ما كل يتمناه المرء يدركه تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
بِمَ التّعَلّلُ لا أهْلٌ وَلا وَطَنُ
ولا نَديمٌ ولا كأسٌ ولا سَكَنُ
أُريدُ مِنْ زَمَني ذا أنْ يُبَلّغَني
ما لَيسَ يبْلُغُهُ من نَفسِهِ الزّمَنُ
لا تَلْقَ دَهْرَكَ إلاّ غَيرَ مُكتَرِثٍ
ما دامَ يَصْحَبُ فيهِ رُوحَكَ البَدنُ
فَمَا يُديمُ سُرُورٌ ما سُرِرْتَ بِهِ
ولا يَرُدّ عَلَيكَ الفَائِتَ الحَزَنُ
مِمّا أضَرّ بأهْلِ العِشْقِ أنّهُمُ
هَوَوا وَما عَرَفُوا الدّنْيَا وَما فطِنوا
تَفنى عُيُونُهُمُ دَمْعاً وَأنْفُسُهُمْ
في إثْرِ كل قَبيحٍ وَجهُهُ حَسَنُ
تَحَمّلُوا حَمَلَتْكُمْ كل ناجِيَةٍ
فكُلُّ بَينٍ عَليّ اليَوْمَ مُؤتَمَنُ
ما في هَوَادِجِكم من مُهجتي عِوَضٌ
إنْ مُتُّ شَوْقاً ولا فيها لهَا ثَمَنُ
يَا مَنْ نُعيتُ على بُعْدٍ بمَجْلِسِهِ
كُلٌّ بما زَعَمَ النّاعونَ مُرْتَهَنُ
كمْ قد قُتِلتُ وكم قد متُّ عندَكُمُ
ثمّ انتَفَضْتُ فزالَ القَبرُ وَالكَفَنُ
قد كانَ شاهَدَ دَفني قَبلَ قولهِمِ
جَماعَةٌ ثمّ ماتُوا قبلَ مَن دَفَنوا
مَا كلُّ ما يَتَمَنّى المَرْءُ يُدْرِكُهُ
تجرِي الرّياحُ بمَا لا تَشتَهي السّفُنُ
رَأيتُكُم لا يَصُونُ العِرْضَ جارُكمُ
ولا يَدِرُّ على مَرْعاكُمُ اللّبَنُ
جَزاءُ كل قَرِيبٍ مِنكُمُ مَلَلٌ
وَحَظُّ كُلّ مُحِبٍّ منكُمُ ضَغَنُ
وَتَغضَبُونَ على مَنْ نَالَ رِفْدَكُمُ
حتى يُعاقِبَهُ التّنغيصُ وَالمِنَنُ
فَغَادَرَ الهَجْرُ ما بَيني وَبينَكُمُ
يَهماءَ تكذِبُ فيها العَينُ
وَالأُذُنُ تَحْبُو الرّوَاسِمُ مِن بَعدِ
الرّسيمِ بهَا
وَتَسألُ الأرْضَ عن أخفافِها الثَّفِنُ
إنّي أُصَاحِبُ حِلمي وَهْوَ بي كَرَمٌ
ولا أُصاحِبُ حِلمي وَهوَ بي جُبُنُ
ولا أُقيمُ على مَالٍ أذِلُّ بِهِ
ولا ألَذُّ بِمَا عِرْضِي بِهِ دَرِنُ
سَهِرْتُ بَعد رَحيلي وَحشَةً لكُمُ
ثمّ استَمَرّ مريري وَارْعَوَى الوَسَنُ
وَإنْ بُلِيتُ بوُدٍّ مِثْلِ وُدّكُمُ
فإنّني بفِراقٍ مِثْلِهِ قَمِنُ
أبْلى الأجِلّةَ مُهْري عِندَ غَيرِكُمُ
وَبُدِّلَ العُذْرُ بالفُسطاطِ وَالرّسَنُ
عندَ الهُمامِ أبي المِسكِ الذي غرِقَتْ
في جُودِهِ مُضَرُ الحَمراءِ وَاليَمَنُ
وَإنْ تأخّرَ عَنّي بَعضُ مَوْعِدِهِ
فَمَا تَأخَّرُ آمَالي ولا تَهِنُ
هُوَ الوَفيُّ وَلَكِنّي ذَكَرْتُ لَهُ
مَوَدّةً فَهْوَ يَبْلُوهَا وَيَمْتَحِنُ
تبقى منظومة المتنبي "ما كل مايتمناه
المرء يدركه ** تجري الرياح بما لا تشتهي السفن" من أفضل ماكتب المتنبي في
الشعر العباسي حيث تتالف من أبيات و كلمات نحوية جعلت من نفسه يتربع على عرش
الشعراء العرب
تعليقات
إرسال تعليق